في شهر أغسطس عام 1969م، حدث حريق المسجد الأقصى، الذي يعد الحلقة الأشد في مسلسل استهداف المسجد الأقصى، فقد قام شاب أسترالي الجنسية، يدعى "دنيس مايكل روهان" وبدعم من العصابات اليهودية المغتصبة للقدس على إحراق المسجد الأقصى في وضح النهار، بسكب مواد حارقة في أماكن متعددة في المسجد: القبة، منبر صلاح الدين، السلالم، وامتدت النيران إلى الأعمدة والمفروشات بسرعة، ولولا مسارعة العرب حول الأقصى بإطفاء الحريق، وحضور سيارات إطفاء من الخليل ورام الله، لقضى الحريق على المسجد بأكمله خاصة أن سيارات الإطفاء الإسرائيلية وصلت بعد الحريق بساعة، في حين أن المسجد يقع في وسط المدينة. وعندما وصلوا لم يكن لديهم أجهزة إطفاء حديثة لمكافحة الحرائق ولا المواد الكيميائية المطفئة لهذا النوع من الحرائق وما أكثرها في إسرائيل! فاستخدموا وسائل الإطفاء العادية وهي خراطيم المياه.
المسجد الأقصی
على مدار تاريخ الإسلام،لطالما اعتبرت المساجد من أقدس الأماكن على وجه الأرض والقلب النابض لحياة هذا الدين الحنيف ( الإسلام) ومكان الاتصال بين السماء والأرض.
والمسجد الأقصى أحد أكبر مساجد العالم وأحد المساجد الثلاثة التي يشد المسلمون الرحال إليها، كما قال النبي محمد(ص)؛ وهو أيضًا أول القبلتين في الإسلام.
تبلغ مساحته قرابة 144,000 متر مربع، ويشمل قبة الصخرة والمسجد القِبْلي والمصلى المرواني ومصلى باب الرحمة، وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 معلم ويقع المسجد الأقصى فوق هضبة صغيرة تُسمى "هضبة موريا"، وتعد الصخرة أعلى نقطة فيه، وتقع في قلبه.
ويحتل هذا المسجد مكانة عالية بين المسلمين وقد احتله الكيان الصهيوني بعد حرب سنة 1967 بين الجيوش العربية والإسرائيلية ووصفت دول العالم وقرارات الأمم المتحدة هذا الاحتلال بأنه غير شرعي وطالبت الكيان الصهيوني بالانسحاب منه.
ويطلق الصهاينة على ساحات المسجد الأقصى اسمَ "جبل الهيكل" نسبة إلى هيكل النبي سليمان ويزعمون أن بقايا الهيكل، تقع تحت المسجد الأقصى وتُحاول العديد من المنظمات اليهودية المتطرفة التذرع بهذه الحجة وبهدف هدم هذا المسجد وتدمير الآثار الإسلامية لإعادة بناء الهيكل حسب مُعتقدها.
واحتل الكيان الصهيوني في حزيران 1967 مدينة القدس الشرقية، وفرض سيطرته عليها بما فيها البلدة القديمة؛ وبدأت بتهويد كل ما تحويه من معالم أثرية دينية وتاريخية، وفي مقدمتها الحرم القدسي الشريف، بالسيطرة على حائط البراق، ووضع الخطط لتهويد المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا.
ولعل إغلاق بوابات المسجد الأقصى في نهاية عام 2017 الذي فتح مجالا واسعًا لاقتحامات المستوطنين اليومية، يأتي في هذا السياق. وقد تشكل العديد من المنظمات الصهيونية لتحقيق هذا الغرض، وفي مقدمتها منظمات الهيكل المزعوم، بالإضافة إلى شبكة الحفريات التي تجريها سلطات الاحتلال أسفل المسجد الأقصى، والتي تهدد بانهياره.
وظهر تيار جديد من الصهيونية المسيحية في بعض البلدان، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، يزعم أن هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث لسليمان شرط لظهور المسيح وبناءً على هذه المزاعم، أضرم أحد الصهاينة النار في المسجد قبل 53 عامًا.
وحسب اقتراح من إيران سمّت منظمة المؤتمر الإسلامي هذا اليوم باسم اليوم العالمي للمساجد لكي تبقى هذه الذكرى حية وتظل البوصلة باتجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
لم تنته جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك، وكانت فصلا من فصول معركة يشنها الاحتلال الإسرائيلي على المسجد، تستهدف تقسيمه زمانيا ومكانيا، وإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه، وقد أدرك الصهاينة أن مقاومة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمسلمة لهم ولمشروعهم التلمودي سببها ليست الأراضي الفلسطينية المسلوبة والمحتلة رغم قيمة هذه الأرض وما تمثله، بل السبب الرئيسي هو وجود المسجد الأقصى المبارك الذي ورد ذكره في القرآن الكريم حيث أشار الباري تعالى إلى قداسة وعظم شأن هذا المسجد المبارك في محكم كتابه.
ومنذ احتلال فلسطين في الـ75 سنة الماضية، يهدف الكيان الصهيوني إلی تدمير المسجد الأقصى وخلال هذا الوقت كان يحاول وراء تنفيذ هذه القضية وتحقيق أغراضها تحت ذرائع مختلفة، لكن الخوف من الحساسية لدى الشعب الفلسطيني وبدء انتفاضة جديدة ورد فعل المسلمين على هذه الاعتداءات، خاصة في شهر رمضان المبارك، جعلهم غير قادرين على تنفيذ مخططاتهم.
واقتحمت مجموعات من المستوطنين باحات المسجد الأقصى في 5 مايو 2022 تحت حماية قوات الاحتلال الصهيوني، تزامنا مع دعوة منظمة "الهيكل" الإسرائيلية المتطرفة (بيدينو) إلى اقتحام باحات المسجد، للاحتفال في ذكرى ما يسميه الكيان الصهيوني "يوم الاستقلال" وقد رابط فلسطينيون في الحرم القدسي لمواجهة الاقتحامات، في حين دعت الفصائل للدفاع عن القدس والأقصى وتعهدت بهزيمة الاحتلال وأدت مواجهات داخل باحات الأقصى وداخل المصلى القبلي إلى إصابة عدد من الشبان الفلسطينيين واعتقال عدد من الآخرين.
وتوالت دعوات شدّ الرحال والاحتشاد في الحرم القدسي، وحذرت الفصائل الفلسطينية من محاولة اقتحام المسجد الأقصى ورفع العلم الصهيوني في باحاته؛ إذ رأت حركة حماس في بيان لها أن سماح الاحتلال للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى لعِبٌ بالنار، وجرٌ للمنطقة إلى أتون تصعيد يتحمل الاحتلال كامل المسؤولية عنه.
كما أكدت حماس في بيانها أن محاولات التقسيم الزماني والمكاني للأقصى ومشاريع تهويد المقدسات لن تمر.
ودعا المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي الجماهير الفلسطينية في القدس وداخل الخط الأخضر إلى شدّ الرحال، والرباط في الأقصى للتصدي لاعتداءات وتهديدات الاحتلال والمستوطنين.
وأكد في بيان صحفي أن حركة الجهاد لن تتوانى في الدفاع عن المقدسات والشعب الفلسطيني بكل الطرق والوسائل.
كما أصدرت منظمة التعاون الإسلامي بيانا بهذا الصدد وحذرت من استمرار تدنيس المسجد الأقصى من قبل الصهاينة ووصفت هذا الإجراء بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقية جنيف وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى.
وقبل أسبوع من ذلك، كانت قوات الاحتلال أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المصلين الفلسطينيين، مما أسفر عن إصابة عدد منهم.
ولا توجد معلومات دقيقة عن عدد الاعتداءات والاقتحامات من قبل المستوطنين المتطرفين على المسجد الأقصى، لكنهم يحاولون منع تواجد الفلسطينيين في هذا المكان المقدس بذرائع مختلفة وتحدث هذه الاشتباكات خاصة خلال شهر رمضان المبارك لكثرة حضور المصلين الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، أعلن مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ عزام الخطيب، قبل سنوات قليلة، أن اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى تتزايد، حتى أنه في عام 2018، اقتحم ما يقرب من 30 ألف مستوطن صهيوني ساحات المسجد الأقصی.
واندلعت بعض الانتفاضات للشعب الفلسطيني منذ احتلال هذه الأرض بسبب مواجهة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وأسفرت انتفاضتهم عن سقوط مئات الشهداء والجرحى من أجل تحرير وطنهم الأم من أيدي المحتلين.
کما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي سميت "انتفاضة الأقصى" في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر عام 2000 احتجاجا على الزيارة الاستفزازية التي قام بها زعيم المعارضة اليميني المتطرف آنذاك أرئيل شارون لباحة المسجد الأقصى بحماية زهاء ألفين من الجنود وحرس الحدود الإسرائيليين وبموافقة رئيس الوزراء الصهيوني أيهود باراك وكان ردّ الجنود المرابطين بنوايا تصعيد مبيّته في الحرم القدسي عنيفا ضد المحتجين على الزيارة، مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين الفلسطينيين.
فضلا عن استمرار محاولات تقسيمه والهيمنة عليه، اقتحم وزير الزراعة في حكومة الاحتلال أوري أرئيل يوم 13 سبتمبر/أيلول 2015 المسجد الأقصى بصبحة مجموعات من المستوطنين، مما أدى إلى اندلاع هبة جديدة.
لقد أدرك الفلسطينيون أبعاد المخطط الصهيوأمريكي الخطير في بلادهم لتدمير المسجد الأقصى عبر حرقه تارة وحفر الأنفاق تحته تارة أخرى، ولذلك نجد بأن الفلسطينيين المنتمين لمختلف الأحزاب والفصائل يتوحدون في التضحية بدمائهم عندما يتعلق الأمر بالمساس بالأقصى المبارك وأن جرائم العدو الصهيوني ضدّ القدس والأقصى لن تمنحه شرعية ولا سيادة فيهما، ولن تفلح في إخماد جذوة المقاومة في نفوس كلّ أجيال الشعب الفلسطيني، أو كسر إرادتهم في مواصلة التصدّي لجرائم الاحتلال، وستزيدهم قوّة وبسالة في التمسّك بانتزاع حقوقهم المشروعة، وفي مقدّمتها تحرير الأرض والعودة إليها"
وأكد قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي قبل خمس سنوات في لقاء مع مسؤولي الأوقاف السورية أنه أتمنى أن تروا ونرى -إن شاء الله- اليوم الذي تصلون فيه صلاة الجماعة في القدس نحن نؤمن أن هذا اليوم سوف يأتي.
انتهی **3280
تعليقك